شاشة كاملة

القوة الناعمة المصرية.. سلاح مختلف وفكر سياسي مبتكر

تمتلك مصر مجموعةً من الأوراق الرابحة التي يُمكنها استثمارها لبناء قوة ناعمة تُعزّز من مكانتها وتُحقّق أهدافها. فكيف تُوظّف مصر هذه المقومات؟

القوة الناعمة المصرية.. سلاح مختلف وفكر سياسي مبتكر

 

بقلم: هدير حسانين

مقدمة

تُشكّل القوة الناعمة المصرية أحد أهم الركائز التي تستند إليها مصر في سعيها لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، ففي عالمٍ تتسارع فيه التحولات وتشتد فيه المنافسة بين الدول، لم تعد القوة العسكرية وحدها هي الفيصل في حسم الصراعات وتحقيق المصالح. بل برزت القوة الناعمة كأداةٍ فاعلةٍ تُمكّن الدول من التأثير على الآخرين وجذبهم من خلال الثقافة والتاريخ والفنون والقيم، لا من خلال القوة والإكراه.

وتتمتع مصر بمقوماتٍ استثنائية تُؤهلها لبناء قوة ناعمة فعّالة ومؤثرة، فمن إرثها الحضاري وثقافتها الثرية إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي ودورها السياسي المحوري، تمتلك مصر مجموعةً من الأوراق الرابحة التي يُمكنها استثمارها لبناء قوة ناعمة تُعزّز من مكانتها وتُحقّق أهدافها. فكيف تُوظّف مصر هذه المقومات لبناء قوة ناعمة فاعلة في عالم اليوم؟

القوة الناعمة : مفهوم جديد في عالمٍ مُتغير

قبل الولوج في تفاصيل القوة الناعمة المصرية، من الضروري التوقف عند المفهوم ذاته وفهم أبعاده وأهميته في عالم اليوم.

ما هي القوة الناعمة؟

  • تُعرّف القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير على سلوك الآخرين وجذبهم من خلال الثقافة والقيم والسياسات الجاذبة، لا من خلال القوة العسكرية أو الإكراه الاقتصادي.

  • تستند القوة الناعمة إلى مجموعة من العناصر غير المادية، مثل الثقافة والفنون والتعليم والقيم المُشتركة والسُمعة الطيبة والدبلوماسية الفعالة.

  • تُعدّ القوة الناعمة أداةً فعالةً لبناء علاقاتٍ قويةٍ مع الدول الأخرى والتأثير على الرأي العام الدولي وتعزيز صورة الدولة وسُمعتها في الخارج.

نشأة مفهوم القوة الناعمة:

  • ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرة في التسعينيات من القرن الماضي على يد عالم السياسة الأمريكي "جوزيف ناي".

  • ارتبط ظهور المفهوم بتحولاتٍ كبيرة في النظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة، حيث أصبحت القوة العسكرية أقلّ فعاليةً في حلّ النزاعات وتحقيق المصالح.

  • أكد ناي أن القوة الناعمة ليست بديلاً عن القوة الصلبة، بل هي مُكمّلة لها وتُعزّز من فعاليتها.

أهمية القوة الناعمة في العالم اليوم:

  • تزداد أهمية القوة الناعمة يوماً بعد يوم في عالمٍ يتّسم بالتعقيد والترابط، حيث تُساهم في بناء تحالفاتٍ وديةٍ وحلّ النزاعات بشكلٍ سلمي.

  • تُتيح القوة الناعمة للدول التأثير على الرأي العام الدولي وتوجيه القرارات الدولية بما يخدم مصالحها.

  • تُساهم القوة الناعمة في جذب الاستثمارات والسياحة وتعزيز التبادل الثقافي والعلمي بين الدول.

القوة الناعمة المصرية: أسسٌ متينة من التاريخ والثقافة

تمتلك مصر مجموعةً من المقومات الاستثنائية التي تُؤهّلها لبناء قوة ناعمة فعّالة ومؤثرة، وتُشكّل هذه المقومات في مجملها إرثاً حضارياً وثقافياً غنيّاً يُساهم في تعزيز صورة مصر في الخارج وجذب الآخرين إليها.

أبرز مصادر القوة الناعمة المصرية:

١. الحضارة المصرية القديمة: إرثٌ يُلهم العالم:

  • تُعدّ الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات في التاريخ البشري، وتُثير إعجاب الملايين حول العالم بإنجازاتها الفريدة في مجالات العمارة والفنون والعلوم.

  • تُشكّل الآثار المصرية القديمة، مثل الأهرامات وأبو الهول ومعبد الكرنك ووادي الملوك، مغناطيساً يجذب السياح من جميع أنحاء العالم.

  • يُساهم الاهتمام المتزايد بدراسة الحضارة المصرية القديمة وفكّ رموزها في تعزيز القوة الناعمة المصرية ونشر الثقافة المصرية في شتّى بقاع الأرض.

٢. الموقع الجغرافي الاستراتيجي: بوابةٌ بين القارات:

  • تتمتع مصر بموقعٍ جغرافيٍّ فريدٍ من نوعه، فهي تقع في ملتقى قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتُشرف على البحرين الأحمر والمتوسط.

  • تُعدّ قناة السويس، التي تمرّ عبر الأراضي المصرية، أحد أهم الممرات المائية في العالم، وتُشكّل شرياناً حيوياً للتجارة العالمية.

  • يُساهم الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر في تعزيز دورها السياسي والاقتصادي ويجعلها لاعباً أساسياً في العلاقات الدولية.

٣. الدور السياسي المحوري: مصر قلب العالم العربي:

  • لطالما كانت مصر لاعباً رئيسياً في السياسة الإقليمية والعربية، فهي أكبر دولةٍ عربيةٍ من حيث عدد السكان وتتمتع بثقلٍ سياسيٍّ وتاريخيٍّ كبير.

  • تلعب مصر دوراً مهماً في حلّ النزاعات الإقليمية ومكافحة الإرهاب وتعزيز السلام والأمن في المنطقة.

  • يُساهم الدور السياسي الفاعل لمصر في تعزيز القوة الناعمة لها وبناء علاقاتٍ قويةٍ مع الدول الأخرى.

٤. الثقافة المصرية : ثراءٌ وتنوعٌ يُجذب الأنظار:

  • تمتلك مصر ثقافةً غنيةً ومُتنوعةً تُجسّد تاريخها الطويل وانصهار الحضارات على أراضيها.

  • تُعدّ السينما المصرية من أهم صناعات السينما في الوطن العربي، وتُساهم في نشر الثقافة المصرية في الخارج وتعريف العالم بالقضايا والمشاكل التي تُعاني منها المجتمعات العربية.

  • يشهد المسرح المصري نهضةً كبيرةً في السنوات الأخيرة، ويُقدّم عروضاً مسرحيةً مُتميّزةً تُناقش قضايا اجتماعية وثقافية مهمة.

  • يُعدّ الأدب المصري أحد أبرز أشكال القوة الناعمة المصرية، حيث أنتجت مصر عمالقةً في الأدب مثل نجيب محفوظ، أول كاتبٍ عربيٍّ يفوز بجائزة نوبل للآداب، طه حسين، عميد الأدب العربي، و يوسف إدريس، صاحب الأسلوب الأدبي الفريد.

٥. الأزهر الشريف : منارةٌ للعلم والإسلام الوسطي:

  • يُعدّ الأزهر الشريف من أعرق المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، ويلعب دوراً مهماً في نشر التعاليم الإسلامية الوسطية ومواجهة التطرف والغلو.

  • يستقطب الأزهر طلاباً من جميع أنحاء العالم للدراسة فيه، مما يُساهم في نشر القوة الناعمة المصرية وتعزيز صورة مصر كمركزٍ للثقافة الإسلامية الوسطية.

٦. الدبلوماسية الشعبية : بناء جسور التواصل مع شعوب العالم

تُدرك مصر أهمية الدبلوماسية الشعبية في تعزيز القوة الناعمة لها، وتسعى من خلال برامج ومبادراتٍ مُتنوعة إلى بناء جسور التواصل مع شعوب العالم ونقل صورةٍ إيجابيةٍ عن مصر وثقافتها وحضارتها.

أبرز أدوات الدبلوماسية الشعبية في مصر:

  • منتديات الشباب: يُعدّ "منتدى شباب العالم"، الذي انطلق في عام 2017 بمبادرةٍ من الرئيس عبد الفتاح السيسي، منصةً حواريةً مهمةً تجمع شباب العالم لمناقشة القضايا المُشتركة وتبادل الأفكار والتجارب.

  • المؤسسات الدينية: يلعب الأزهر الشريف والكنيسة المصرية دوراً مهماً في تعزيز الحوار بين الأديان ونشر رسالة التسامح والسلام في العالم.

  • الرياضة: تُساهم الرياضة في تقريب الشعوب من بعضها البعض وتعزيز التواصل بينها، وتُعدّ مصر من الدول الرائدة في مجال الرياضة في الوطن العربي، حيث تمتلك مواهب رياضية بارزة في مُختلف الألعاب.

  • الفنون والثقافة: تُنظّم مصر مهرجاناتٍ سينمائية ومسرحية وموسيقية وفنية تُساهم في جذب الزوّار من جميع أنحاء العالم وتعريفهم بـ"الثقافة المصرية" الغنية و"التراث الفني" المُتنوع.

  • التبادل الطُلابي والأكاديمي: تستقبل الجامعات المصرية طلاباً من مختلف دول العالم، مما يُساهم في تعزيز التبادل الثقافي والعلمي وتكوين جيلٍ جديدٍ من الشباب الواعي والمُنفتح على العالم.

  • برامج التعاون التنموي: تُقدّم مصر برامج تعاونٍ تنمويٍّ للعديد من الدول النامية، خاصةً في أفريقيا، مما يُعزّز من علاقاتها مع هذه الدول ويُساهم في نشر القوة الناعمة المصرية وتعزيز دورها الإيجابي في العالم.

تحدياتٌ يجب تجاوزُها لتعزيز القوة الناعمة المصرية

بالرغم من الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها مصر في مجال القوة الناعمة، إلا أنها تواجه بعض التحديات التي يجب التغلب عليها من أجل توظيف القوة الناعمة بشكلٍ أفضل وتحقيق أقصى استفادة منها.

أبرز التحديات التي تواجه القوة الناعمة المصرية:

  1. التحديات الاقتصادية: تؤثر التحديات الاقتصادية التي تمرّ بها مصر على قدرتها على تمويل برامج القوة الناعمة وتطوير بُنيتها التحتية الثقافية والسياحية.

  2. التحديات السياسية: تُؤثّر التوترات السياسية في المنطقة على صورة مصر وسُمعتها في بعض الدول، الأمر الذي يُضعف من تأثير القوة الناعمة المصرية.

  3. التحديات الأمنية: تُشكّل التحديات الأمنية، مثل الإرهاب وعدم الاستقرار في بعض المناطق، عائقاً أمام جذب الاستثمارات والسياحة وتعزيز القوة الناعمة.

  4. التحديات الإعلامية: تحتاج مصر إلى تطوير أدائها الإعلامي وتعزيز حضورها في وسائل الإعلام الدولية من أجل نشر القوة الناعمة بشكلٍ أفضل ومواجهة حملات التشويه التي تستهدف صورتها في الخارج.

  5. غياب استراتيجيةٍ واضحةٍ لـ القوة الناعمة: تحتاج مصر إلى وضع استراتيجيةٍ وطنيةٍ واضحةٍ وشاملةٍ لـ القوة الناعمة تُحدّد أهدافها وأولوياتها وآليات تنفيذها والمؤسسات المسؤولة عنها.

القوة الناعمة المصرية: رؤيةٌ طموحةٌ للمستقبل

تُدرك مصر أهمية القوة الناعمة في عالم اليوم، وتسعى بجدٍ لتعزيزها وتطوير آليات توظيفها من أجل تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والثقافية.

رؤية مستقبلية لـ القوة الناعمة المصرية:

  1. التركيز على التنمية المستدامة: تُساهم التنمية المستدامة في تعزيز القوة الناعمة من خلال تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير فرص عمل وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على صورة مصر في الخارج.

  2. الاستثمار في البنية التحتية الثقافية والسياحية: تحتاج مصر إلى الاستثمار في البنية التحتية الثقافية والسياحية من أجل جذب المزيد من الزوّار وتعزيز حضورها على الخريطة الثقافية والسياحية العالمية.

  3. تعزيز الدبلوماسية العامة والثقافية: يجب على مصر تكثيف جهودها في مجال الدبلوماسية العامة والثقافية وتنويع برامجها لتشمل فئاتٍ أوسع من المجتمع وتستهدف شرائح مُختلفة من الرأي العام الدولي.

  4. تطوير الأداء الإعلامي: يُعدّ الإعلام أحد أهم أدوات القوة الناعمة، وتحتاج مصر إلى تطوير أدائها الإعلامي وتعزيز حضورها في وسائل الإعلام الدولية من أجل نشر القوة الناعمة المصرية بشكلٍ أكثر فعالية ومواجهة حملات التشويه التي تستهدف صورتها في الخارج.

  5. تعزيز التعاون الدولي: تستطيع مصر تعزيز القوة الناعمة لها من خلال تكثيف التعاون مع الدول الأخرى في مجالات الثقافة والإعلام والتنمية وتبادل الخبرات والتجارب في مجال بناء القوة الناعمة.

الخاتمة: القوة الناعمة المصرية... مفتاحٌ لِدورٍ مصريٍّ أكثر فعالية

لا شك أن القوة الناعمة أصبحت أحد أهم أدوات التأثير في العالم اليوم، وتمتلك مصر جميع المقومات التي تُمكّنها من بناء قوة ناعمة فعّالة ومؤثرة. ومن خلال الاستثمار في الثقافة والتعليم والإعلام وتعزيز الدبلوماسية العامة والشعبية، تستطيع مصر أن تُصبح لاعباً أكثر تأثيراً على المستوى الإقليمي والدولي وتُرسّخ مكانتها كقوةٍ ناعمةٍ رائدةٍ في المنطقة العربية والعالم.

إرسال تعليق

Please dont share any sensitive or personal details here.

Cookie Consent
We serve cookies on this site to analyze traffic, remember your preferences, and optimize your experience.
Oops!
It seems there is something wrong with your internet connection. Please connect to the internet and start browsing again.
AdBlock Detected!
We have detected that you are using adblocking plugin in your browser.
The revenue we earn by the advertisements is used to manage this website, we request you to whitelist our website in your adblocking plugin.
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.