الدوري السعودي للمحترفين.. نموذج فريد للتحديث الاقتصادي

صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال لقاء له مع فوكس نيوز "أن السعودية أعظم قصة نجاح في القرن ٢١"، إشارة إلى زخم الدوري السعودي للمحترفين والسياحة.


الدوري السعودي للمحترفين.. نموذج فريد للتحديث الاقتصادي
الدوري السعودي للمحترفين.. نموذج فريد للتحديث الاقتصادي

مقدمة

مع انتهاء نسخة كأس العالم ٢٠٢٢ البارزة في دولة قطر التي تم استضافتها لأول مرة على الإطلاق في العالم العربي والإسلامي، وتصاعُدْ الحديث عن البنية التحتية الاستثنائية في دول الخليج خصوصًا، بدأ دوري المحترفين السعودي مَطلع يناير ٢٠٢٣ في الدخول بشكل غير مسبوق في التنافس في "صناعة رياضة كرة القدم" على المستوى العالمي؛ مما أثار عددًا من التساؤلات حول توجه المملكة العربية السعودية إزاء الدعم الكبير والاستثمار في كرة القدم السعودية، وهو ما يشكّل بدوره نموذجًا فريدًا للتحديث الاقتصادي لاسيما عند تحليل واقع الدوريات الخمس الأوروبية الكبرى مقارنةً بالصعود البارز للدوري السعودي للمحترفين على كافة المستويات بعد انضمام أبرز اللاعبين المحترفين من تلك الدوريات الأوروبية وبداية أفولها نسبيًا بدءًا باللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو مع نادي النصر السعودي حتى البرازيلي نيمار جونيور مع الهلال السعودي. فيُمثل الصعود البارز للدوري السعودي المحترفين نتاج التوجه المدعوم بقوة من النظام السعودي في تعزيز التقدم الاقتصادي للملكة بعيدًا عن النفط والغاز، وكذا لعب دور إقليمي ودولي محوري في النظام السياسي والاقتصادي  الدولي وفقًا لرؤية المملكة ٢٠٣٠.

١- الدوري السعودي للمحترفين وفق نظرية التحديث.. تطبيق على الواقع الاجتماعي والاقتصادي السعودي:

مع التطور المُستمر لكرة القدم كلعبة وصناعة ذات طابع تنافسي خاص في المجال الرياضي في مختلف بقاع الكرة الأرضية جاذبة لكم هائل من المشجعين، نجد الدوري السعودي للمحترفين يقف كمنارة للتغيير، وأصبح يمثل جزءًا فريدًا في واقع اللعبة الأكثر تأثيرًا عالميًا. 

رؤى سيمور مارتن ليبست.. الرؤية التحديثية

بالتأمل في جوهر نظرية التحديث التي دافع عنها الأكاديمي "سيمور مارتن ليبست" في حجته القائلة والتي تنص على أن المجتمعات الإنسانية عمومًا تتقدم بشكل طبيعي من المراحل التقليدية إلى المراحل الحديثة أثناء خضوعها للتنمية الاقتصادية والتحضر والتغيير الاجتماعي. ومن ثم، يُمكن اعتبار صعود الدوري السعودي للمحترفين في عالم كرة القدم مظهرًا تطبيقيًا هامًا من مظاهر هذه النظرية، حيث يرتبط النمو الاقتصادي والتحول المجتمعي ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض.

المملكة العربية السعودية وتطبيق الرؤية التحديثية في القطاع الرياضي وصناعة كرم القدم

إن البُعد التطبيقي بالإمكان ملاحظته من خلال الاهتمام واسع النطاق الذي يعكس تطلعات الحكومة السعودية للتحديث، وذلك اتضح من خلال ضخ الأموال الخاصة لتدعيم الدوري السعودي بجانب تسخير التقنيات الجديدة وتحسين واقع البنية التحتية وتحسين الجودة الإجمالية لواقع أندية كرة القدم السعودية. ونظرًا لأن الحكومة السعودية تضع أهدافًا طموحة للنجاح العام للدوري السعودي للمحترفين، فإنها تتماشى بدقة هائلة مع فرضية نظرية التحديث القائلة بأن التقدم الاقتصادي بمثابة حافز لتغييرات مجتمعية أوسع. كما أن ذلك الوضع التحديثي المُنعكس على مسار الدوري السعودي يتماهى ويتماشى بشكل مرن مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهي خارطة طريق شاملة لتحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز اقتصادي وثقافي ورياضي عالمي فريد من نوعه.

فالتأثير على كرة القدم السعودية واضح بشكل بارز في الوقت الراهن، حيث أصبح الدوري السعودي للمحترفين وسيلة لرعاية المواهب المحلية في المملكة من خلال استقطاب أبرز نجوم الكرة العالمية والتي بدأت بانضمام اللاعب البرتغالي الأكثر شهرةً وتأثيرًا "كريستيانو رونالدو" إلى الدوري السعودي مطلع العام الحالي يناير ٢٠٢٣. ومن خلال مقارنة دوري المحترفين السعودي بالدوريات العالمية الأخرى سواء في (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، أو حتى إنجلترا) فيمكن للمرء أن يميز بسهولة كيف أن مساره المتسارع نحو التحديث يعيد تشكيل مشهد كرة القدم العالمي.

الدوري السعودي للمحترفين وعالم كرة القدم.. حالة فريدة 

يقدم دخول دوري المحترفين السعودي إلى عالم كرة القدم دراسة حالة مثيرة للاهتمام عند النظر إليها من خلال رؤى نظرية التحديث. فالمملكة العربية السعودية بنموذجها الاقتصادي الفريد واستراتيجياتها الاستثمارية الهائلة والموظفة بعناية في الدوري السعودي إلى جانب توافقها مع رؤية 2030 وتأثيرها على المجتمع السعودي بشكل جماعي يعكس تغير موازين وديناميكات التحول المجتمعي والدولي في سياق الرياضة العالمية عمومًا، وكرة القدم خصوصًا، التحول الذي تبلورت ملامحه منذ كأس العالم في دولة قطر نسخة ٢٠٢٢، ودفعت الدوري السعودي للمحترفين إلى اكتساب زخمه الخاص وطابعه الفريد بدءًا من يناير ٢٠٢٣ حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

٢- الزخم والتأثير العالمي للدوري السعودي للمحترفين:

يجذب الدوري السعودي للمحترفين عددًا كبيرًا من اللاعبين البارزين، مثل النجوم البارزين أمثال كريستيانو رونالدو وكريم بنزيمة ونيمار جونيور القادمين من الدوريات الأوروبية الكبري.

التأثير الإعلامي العالمي للدوري السعودي للمحترفين 

يشكل صعود هذا الدوري صدى مسموعًا إلى كافة دول العالم من دول الخليج شرقًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية غربًا بالتوازي مع قدوم اللاعبين الأجانب للدوري السعودي. أيضًا، يتردد صدى هذا المسعى المدوي للدوري السعودي للمحترفين في 40 دولة، حيث يتوافد الرياضيون من جميع أنحاء العالم على الأندية السعودية المختلفة، هذا فضلًا عن تصاعد معدلات شراء حقوق بث الدوري السعودي من قِبَلْ شركات وقنوات أوروبية عالمية. ونتيجة لذلك، فإن المساعدة الداعمة والحثيثة التي تقدمها الحكومة السعودية وصندوق الاستثمار العام هي جوهر هذه الظاهرة التي لا تزال قيد التبلور والتطور والازدهار. فلقد خصص صندوق الاستثمار العام (PIF) ما يقرب من 18 مليار جنيه إسترليني لرسوم التحويل والرواتب حتى عام 2030، وذلك بغرض التخطيط لتنويع الإيرادات الخاصة باقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط والطاقة ونحو صناعات أخرى مثل السياحة. وقد صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقاء له مع فوكس نيوز "أن السعودية أعظم قصة نجاح في القرن ٢١" ، إشارة إلى الزخم المتحقق جراء الدوري السعودي للمحترفين، وكذا عوائد السياحة.

٣- تأثير عوائد الدوري السعودي للمحترفين على دور المملكة في النظام السياسي والاقتصادي الدولي:

مع التنمية الاقتصادية المنشودة جراء الدوري السعودي للمحترفين في المملكة العربية السعودية، نجد أن الصعود المتسارع للدوري السعودي (SPL) يمثل دليل قاطع على إعادة الهيكلة للوضع الداخلي للملكة من ناحية، والتطورات التي يشهدها النظام الدولي، نتيجة دور المملكة العربية السعودية البارز فيه. ففي الوقت الذي تواجه فيه أولوية البترودولار حالة من عدم اليقين جراء الحرب الروسية الأوكرانية، دبرت المملكة السعودية، في ظل رؤية 2030 الشاملة، بديلًا استراتيجيًا أكثر ملائمةً للاستثمار في عالم الرياضة، لا سيما لعبة كرة القدم. يتضمّن هذا المخطط الجريء الهدف الحازم المتمثل في وضع الدوري السعودي بين أقوى دوريات العالم، وكأداة لتحقيق التنمية الاقتصادية في المملكة. فالهدف الاستراتيجي للحكومة السعودية هو تعزيز التدفق المالي، والسعي لتصعيد إيراداتها من 450 مليون ريال سعودي (ما يعادل 120 مليون دولار أمريكي) المسجلة في العام ٢٠٢٢، إلى 1.8 مليار ريال سعودي (ما يعادل 480 مليون دولار أمريكي) بحلول عام 2030. يدل هذا المسعى الطموح على مظهر واضح لسعي المملكة العربية السعودية الاستباقي لتعزيز نفوذها على الساحة العالمية.

٤- تأثير الدوري السعودي للمحترفين على الشرق الأوسط:

يؤثر صعود الدوري السعودي للمحترفين على منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، لاسيما مع ازدهار شهرة الدوري السعودي بشكل لافت، وجذبه انتباه عدد لا يحصى من المواطنين والأجانب الذين يشاركون بحماس في مبارياته، وانعكاس ذلك على تعزيز السياحة الخليجية. 

الدوري السعودي للمحترفين.. وصندوق الاستثمار السعودي 

يمكن أن يُعزى هذا الارتفاع الهائل في هذه الشهرة السريعة بشكل واضح إلى الضخ الكبير لرأس المال الذي نظمه صندوق الاستثمار العام (PIF)، والذي أدى إلى تعزيز انتقال واكتساب أبرز اللاعبين العالميين إلى جانب تحسين جودة البنية التحتية للملاعب السعودية، وكذا استضافة وإقامة البطولات المحلية والعالمية مثل بطولة كأس العالم للأندية ٢٠٢٣.

شهرة واسعة للبطولات الآسيوية في كرة القدم 

ونتيجة لذلك، تمثل تلك المساعي انتصارًا ودعمًا وترويجًا لكرة القدم السعودية، البطولات الآسيوية، ولا سيما دوري أبطال آسيا التي تشارك فيها بعض الفرق العربية من منطقة الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى كأس الملك سلمان المعروفة باسم "البطولة العربية"، وهي بطولة هامة تعود إلى عام 2015، تم إقامتها كبطولة إقليمية بين الأندية العربية. هذه البطولة، التي تستوعب كوكبة من ستة عشر فريقًا ينحدرون من زوايا مختلفة من العالم العربي، مما يمنحها مظهرًا من مظاهر العالمية. فمن الواضح أن كأس الملك سلمان، المكرسة في كرة القدم في الشرق الأوسط منذ سنوات ظهرت كمنعطف أساسي هام لاسيما بعد فوز نادي النصر السعودي الذي يضم كريستيانو رونالدو بالبطولة في العام ٢٠٢٣. يمكن القول إن الاستثمار المالي الكبير الذي أعددته المملكة العربية السعودية في مجال كرة القدم قد قلب النظام الهرمي القائم في كرة القدم الدولية، والتي كانت تقليديًا تحت سيطرة أوروبا والمجال الغربي.

منافسة كروية خليجية بين الإمارات وقطر والسعودية

بالإضافة إلى ذلك، تم التأكيد على أهمية الاستثمارات في القطاعات المختلفة من الرياضة بشكل عام، وهو ما سيكون بمثابة دافع لدول الخليج المجاورة، بما في ذلك قطر والإمارات العربية المتحدة، لتنظيم استثمارات متناسبة في بطولات كرة القدم المحلية، وبالتالي الشروع في مسار من الاستثمارات المالية المتزايدة المتصلة بالرياضة بوجه عام؛ الأمر الذي سينعكس ولو نسبيًا على استقرار منطقة الشرق الأوسط.

الخاتمة

يمكن التأكيد على أن سياسة التنويع الاقتصادية التي اتبعتها المملكة العربية السعودية من خلال البحث عن بدائل للنفط والغاز لتعزيز التنمية الاقتصادية أثبتت نجاحًا هائلًا ومحوريًا، وبشكل خاص بعد نجاح تجربة كأس العالم في قطر ٢٠٢٢؛ والذي أعطى دافعًا أكبر لمتخذ وصانع القرار في المملكة. فالمتتبع للمشهد العالمي سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا منذ اندلاع جائحة الكوفيد وتعطل سلاسل الإمداد حتى الحرب الروسية الأوكرانية، سيدرك ومن دون أي شك مدى نجاعة وديناميكية الاقتصاد السعودي في تعزيز القطاع الرياضي لاسيما في "كرة القدم" وانعكاس ذلك بالإيجاب سواء على المستوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط أو النفوذ السعودي عامةً في النظام الدولي بعد التراجع الغربي المتنامي على كافة المستويات.

Getting Info...

إرسال تعليق

Cookie Consent
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.
Oops!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت والبدء في التصفح مرة أخرى.
AdBlock Detected!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم المكون الإضافي adblocking في متصفحك.
تُستخدم الإيرادات التي نحققها من الإعلانات لإدارة هذا الموقع ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.
A+
A-