شاشة كاملة

تداعيات الحروب والأزمات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المصري وعلاقتها بالهجرة الغير شرعية

تبرز ظاهرة الهجرة غير الشرعية كأحد أبرز تداعيات تلك الأوضاع، حيث يجد العديد من المصريين أنفسهم مضطرين لخوض رحلاتٍ محفوفة بالمخاطر بحثاً عن الأمان.

تداعيات الحروب والأزمات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المصري وعلاقتها بالهجرة الغير شرعية
نسرين أنور مخلوف تكتب: تداعيات الحروب والأزمات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد المصري وعلاقتها بالهجرة الغير شرعية

بقلم/ نسرين أنور مخلوف -طالبة بكلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس

مقدمة

في عالمٍ مترابط، تتخطى تبعات الحروب والأزمات الاقتصادية الحدود الجغرافية لتؤثر على حياة الأفراد في كل مكان. وتُعدّ مصر، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وعلاقاتها الدولية المتشعبة، أحد الدول المتأثرة بشكلٍ مباشر بهذه التغيرات العالمية والمحلية. فقد ألقت الحرب في غزة بظلالها الثقيلة على الاقتصاد المصري، فيما عمّقت الحرب الروسية الأوكرانية من حدة الأزمات الاقتصادية القائمة. وفي خضم هذه التحديات، تبرز ظاهرة الهجرة غير الشرعية كأحد أبرز تداعيات تلك الأوضاع، حيث يجد العديد من المصريين أنفسهم مضطرين لخوض رحلاتٍ محفوفة بالمخاطر بحثاً عن الأمان وفرصٍ أفضل للعيش.

مصر بين مطرقة الحروب وسندان الأزمات الاقتصادية

على الرغم من أن دوافع الهجرة متعددة ومتشعبة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تناميًا ملحوظًا في أعداد المصريين الذين يختارون الهجرة غير الشرعية كخيارٍ لا مفر منه. ويُمكن إرجاع هذا الارتفاع إلى تضافر عدة عوامل، أبرزها:

١. تداعيات الحرب في غزة على الاقتصاد المصري:

لم تكد تمر سوى أشهر قليلة على اندلاع الحرب في غزة حتى بدأت تظهر انعكاساتها على مختلف مناحي الحياة في مصر. فإلى جانب الخسائر المادية المباشرة، أثرت الحرب على قطاعات حيوية في الاقتصاد المصري مثل السياحة وإمدادات الطاقة.

السياحة: أدى اندلاع الحرب إلى تراجع حادّ في أعداد السياح الإسرائيليين الذين كانوا يشكلون نسبةً كبيرةً من إجمالي السياحة في مصر.

الطاقة: تعتمد مصر على إسرائيل في استيراد جزء من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وقد أدى إغلاق إسرائيل لأحد حقول الغاز خوفًا من التعرض للهجمات إلى انخفاض إمدادات الغاز إلى مصر.

٢. الحرب الروسية الأوكرانية: تأثيراتٌ عالمية وانعكاساتٌ محلية:

شكّلت الحرب الروسية الأوكرانية صدمةً للاقتصاد العالمي، وكان لمصر نصيبها من التداعيات السلبية لهذه الحرب، والتي انعكست بشكلٍ رئيسيٍ على قطاعات القمح والطاقة والسياحة.

القمح: تُعدّ روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، وتعتمد مصر بشكلٍ كبيرٍ على الاستيراد منهما لتلبية احتياجاتها من القمح. وقد أدى اندلاع الحرب إلى ارتفاعٍ قياسيٍ في أسعار القمح العالمية، مما أثقل كاهل الاقتصاد المصري. وهكذا تأثر اقتصاد مصر التي تستورد حوالي ٨٠% من وارداتها من القمح من الدولتين.

الطاقة: كما هو الحال بالنسبة للقمح، تُعدّ روسيا من أكبر الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي في العالم. وقد أدى اندلاع الحرب إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكلٍ كبيرٍ، مما زاد من أعباء الدولة المصرية.

السياحة: شكّل السياح الروس والأوكرانيون نسبةً كبيرةً من إجمالي السياحة في مصر. وقد أدى اندلاع الحرب وإغلاق المجال الجوي الأوكراني إلى تراجعٍ حادٍّ في أعداد السياح القادمين من هاتين الدولتين.

٣. الأزمة السودانية: تداعياتٌ اقتصاديةٌ على الجارة المصرية:

لم تكن الأزمة السودانية بمنأى عن التأثير على الاقتصاد المصري، لا سيما وأن السودان يُعدّ شريكًا تجاريًا هامًا لمصر، حيث تعتمد مصر على السودان في توفير جزء كبير من احتياجاتها من اللحوم الحية وغيرها من السلع. حيث تمد السودان مصر من ١٠% إلى ١٣% من احتياجاتها من هذه السلع، وقد أدت الأزمة إلى توقف حركة التجارة بين البلدين، مما أثر على وفرة بعض السلع الأساسية في السوق المصرية وارتفاع أسعارها.

الهجرة غير الشرعية: مخاطرٌ كبيرة بحثًا عن فرصةٍ أفضل

في ظل هذه التحديات الاقتصادية المتزايدة، يلجأ الكثير من المصريين، وخاصةً الشباب، إلى الهجرة غير الشرعية كخيارٍ أخيرٍ بحثًا عن فرصٍ أفضل للعمل والحياة. وتُعدّ الدول الأوروبية الوجهة الرئيسية لهؤلاء المهاجرين، والتي يقصدونها عبر رحلاتٍ خطيرةٍ عبر البحر الأبيض المتوسط.

ارتفاعٌ ملحوظٌ في أعداد المهاجرين المصريين إلى أوروبا: أظهرت التقارير الدولية ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين غير الشرعيين من مصر إلى أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وخاصةً إلى إيطاليا.

المخاطر الكبيرة التي تواجه المهاجرين: يتعرض المهاجرون غير الشرعيين إلى مخاطر كبيرة خلال رحلتهم، بدءًا من الاستغلال من قبل عصابات الاتجار بالبشر، ووصولًا إلى الغرق في البحر الأبيض المتوسط.

ضرورة إيجاد حلولٍ جذريةٍ لأزمة الهجرة غير الشرعية

لا شك أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تُعدّ أزمةً معقدةً وليست بسيطة، وتتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية للتصدي لها. وفيما يتعلق بالوضع في مصر، فإن معالجة هذه الظاهرة تتطلب التصدي للأسباب الجذرية التي تدفع الشباب إلى الهجرة، والتي تتمثل في:

تحسين الأوضاع الاقتصادية: من خلال خلق فرص عملٍ جديدةٍ وتحسين مستوى المعيشة.

مكافحة الفساد: وإرساء مبادئ الحكم الرشيد وتكافؤ الفرص.

الاستثمار في التعليم والتدريب: لتأهيل الشباب لسوق العمل المحلي والعالمي.

التعاون مع الدول الأوروبية: للحد من أنشطة عصابات الاتجار بالبشر وتوفير الحماية للمهاجرين.

إن التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية هو مسؤولية مشتركة بين الدول المُصدرة والمُستقبلة للمهاجرين، ويتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية لإيجاد حلولٍ جذريةٍ لها.

المراجع

منال هاني، “الحرب الروسية على أوكرانيا وأثرها على الاقتصاد العالمي: الواقع والدروس المستفادة”، مجلة معهد العلوم الاقتصادية (جامعة محمد خيضر)، مجلد ٢٥، ع٢، ٢٠٢٢.

غادة رياض عمارة، “تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري”، المجلة الاجتماعية القومية (المجلد ٥٩، ع٣، سبتمبر ٢٠٢٢).

عيد رشاد عبد القادر، “الآثار المتوقعة الأزمة الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري”، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة (كلية التجارة عين شمس)، يوليو ٢٠٢٢.


إرسال تعليق

Please dont share any sensitive or personal details here.

Cookie Consent
We serve cookies on this site to analyze traffic, remember your preferences, and optimize your experience.
Oops!
It seems there is something wrong with your internet connection. Please connect to the internet and start browsing again.
AdBlock Detected!
We have detected that you are using adblocking plugin in your browser.
The revenue we earn by the advertisements is used to manage this website, we request you to whitelist our website in your adblocking plugin.
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.