لماذا الكذب والغموض بين البشر؟

في عالم يبحث فيه الأصدقاء عن الثقة والمودة، ويجدون الخيانة والنفاق. نحن نعيش في عالم يتوق فيه العشاق إلى الحب والانسجام، ويواجهون الغدر لا الإحسان.

 

لماذا الكذب والغموض بين البشر؟
رامز الشيشي يكتب: لماذا الكذب والغموض بين البشر؟

بقلم/ رامز الشيشي * كاتب وباحث سياسي

هل يمكن للإنسان أن يعيش بدون كذب؟ هل يمكن للمجتمع أن ينهض بدون وضوح؟ هذه أسئلة تطرح نفسها في زمن الفوضى والتحولات، في زمن تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والخيال، بين الشفافية والتلاعب.

نحن نعيش في عالم فوضوي بامتياز، حيث يتصارع البشر على السلطة والمال والمجد، ويتبادلون الوعود والتهديدات والخداع. نحن نعيش في عالم يتحدث فيه القادة باسم الشعوب، ويتصرفون على عكس مصالحهم. نحن نعيش في عالم يبحث فيه الأصدقاء عن الثقة والمودة، ويجدون الخيانة والنفاق. نحن نعيش في عالم يتوق فيه العشاق إلى الحب والانسجام، ويواجهون الغدر لا الإحسان.

هذا هو العالم الذي تتشكل فيه التفاعلات البشرية، محاولين فهم دوافع ونوايا الآخرين، ومتسائلين عن معنى وقيمة حياتنا. وفي هذا العالم، نواجه ظاهرتين محيرتين ومزعجتين: الكذب والغموض.

ماهية الكذب والغموض

فالكذب هو عملية إنتاج ونشر وقول معلومات غير صحيحة أو مضللة، بقصد التأثير على معتقدات أو سلوكيات الآخرين. الكذب هو فن قديم، يمارسه البشر منذ البدايات الأولى، كوسيلة للبقاء أو التفوق أو الاستمتاع. الكذب هو مهارة معرفية، تتطلب القدرة على تمييز الحقيقة من الخيال، والخيال من الوهم، والوهم من الجنون.

وعن الغموض، أستطيع القول برأيي أنه حالة عدم اليقين أو الارتباك أو الالتباس، بسبب عدم وجود معلومات كافية أو واضحة أو موثوقة. الغموض هو عالم مظلم، يخفي فيه البشر حقائقهم أو يشوهونها، سواء بقصد أو بدون قصد. الغموض هو تحدي تواصلي، يتطلب القدرة على فك الشفرات واستخراج المعاني، والمعاني من الرموز.

لماذا يكذب البشر؟ ولماذا يحجبون الحقيقة؟ هذه أسئلة تستحق البحث والتأمل، فلن أنكر أنه سلوك يسبب حالة من عدم الارتياح أو السكينة على الإطلاق، وخصوصًا إن تلقيت أكاذيب من شخص تربطك علاقة به سواء كانت صداقة، حب، أو أيًا يكن طبيعة هذه العلاقة. وبشكل عام، لا يُخدع من علم أنه خُدِع مثلما قال السياسي الإيطالي ميكيافيللي ذات مرة. ولأن الكذب ظاهرة تكشف عن جوانب مهمة من نفسية وسلوك الإنسان. ولعل أهم هذه الجوانب هي الدوافع والعواقب.

ما وراء الكذب والغموض

الدوافع هي الأسباب أو الأهداف التي تدفع البشر إلى الكذب أو الغموض. وهي متنوعة ومتعددة، تبعاً للظروف والمواقف والشخصيات. فمنهم من يكذب للهروب من المسؤولية أو العقاب، كالطفل الذي ينفي أنه أكل البسكويت، وعلى فمه بقايا منه.

وستجد من يكذب للحصول على مكاسب أو مزايا، كالسياسي الذي يوعد بالإصلاحات أو الثورة. ومنهم من يكذب للحماية أو الرحمة، كالصديق الذي يخفي الحقيقة المؤلمة أو يزينها. ومنهم من يكذب للتمويه أو الإبهار، كالعاشق الذي يبالغ في الثناء أو الوعد لشخص ما، وفي باله حبًا لشخص آخر! ببساطة، يكمن السبب الرئيسي وراء كذب الناس في تدني احترام الذات.

العواقب هي النتائج أو الآثار التي تنتج عن الكذب أو الغموض. وهي أيضاً متنوعة ومتعددة، تبعاً للمستوى والمدى والمعنى. فمنها ما يكون إيجابياً أو محموداً، كالنجاة من الخطر أو الحصول على الفرصة. ومنها ما يكون سلبيًا أو مؤذيًا، كالفقدان من الثقة أو الوقوع في الخطأ.

على المستوى الشخصي، يمكن أن يؤثر الكذب والغموض على العلاقات بين الأفراد، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو عشاق. يمكن أن يخلق الكذب والغموض جوًا من الشك والريبة، يهدد الثقة والاحترام المتبادلين. ويمكن أن يؤدي إلى الانفصال أو الخلاف أو الخيبة. كما يمكن أيضًا أن يخلق جوًا من الفضول والتحدي، يحفز الاهتمام والتفاعل حول دوافع من يكذب، ولماذا يكذب؟

على المستوى الاجتماعي، يمكن أن يؤثر الكذب والغموض على النظم والمؤسسات التي تحكم المجتمعات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. يمكن أن يضعف الكذب والغموض الديمقراطية والقانون والعدالة، مولدًا الفساد والاستبداد والظلم. ويمكن أن يؤدي إلى الاضطراب أو الانقلاب أو الثورة.

هذه هي العواقب المحتملة للكذب والغموض، ولكنها ليست حتمية أو ثابتة. فهي تتوقف على الظروف والمواقف والشخصيات التي تتدخل فيها. وهي تتوقف أيضًا على القيم والمعايير والمبادئ التي تحكمها. فمن الممكن أن يكون الكذب أو الغموض مبررًا أو مقبولًا في بعض الحالات، وغير مبرر أو مرفوض في بعض الحالات الأخرى.

وفي النهاية، فإن الكذب والغموض هما جزء لا يتجزأ من حياتنا البشرية، ولا يمكننا أن نتخلص منهما أو نتجاهلهما. فهما يعكسان مدى هشاشة العلاقة الاجتماعية بين الأشخاص. وبصرف النظر عن مدى حدة هاتين الظاهرتين، فإن الاعتماد عليهم بشكل متكرر سيؤدي وبدون أدنى شك إلى تداعيات خطيرة لاسيما إذا حاولت تطبيقهم على شخص يتفنن في كشف الكذب أو إدراك كل ما هو غامض. ولكي أكون موضوعيًا، ولأن العالم ليس مكانًا مثاليًا أقول لك "ستكون كاذبًا إذا قلت إنك لم تكذب أبدًا". ولهذا، إذا كنت تكذب على شخص بشكل متكرر، ولم تجد منه سوى الخير والوضوح، رجاءً راجع ذاتك.

Getting Info...

إرسال تعليق

Cookie Consent
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.
Oops!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت والبدء في التصفح مرة أخرى.
AdBlock Detected!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم المكون الإضافي adblocking في متصفحك.
تُستخدم الإيرادات التي نحققها من الإعلانات لإدارة هذا الموقع ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.
A+
A-