الصين في الشرق الأوسط.. أسباب وأثار إرسال سفن حربية في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس

أثار إرسال الصين لستة سفن حربية تكهنات وتساؤلات متباينة! فما هي دوافع الصين لهذا النشر؟ وهل تستعد لحرب في الشرق الأوسط؟ وكيف ستؤثر هذه الخطوة عليها؟

 

الصين في الشرق الأوسط.. أسباب وأثار إرسال سفن حربية في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس
الصين في الشرق الأوسط.. أسباب وأثار إرسال سفن حربية في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس

مقدمة

في خطوة غير مسبوقة، قامت الصين في يوم ١٤ من أكتوبر ٢٠٢٣ بإرسال ست سفن حربية إلى منطقة الشرق الأوسط. تأتي خطوة إرسال الصين لهذه السفن الحربية في ظل التوترات المُتصاعدة في الشرق الأوسط بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس القائمة منذ عملية السابع من أكتوبر "عملية طوفان الأقصى" التي شنتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس بشكل مباغت هزَّ من صورة الجيش الإسرائيلي وقتذاك. ومع تلك الواقعة، بدأت "عملية السيوف الحديدية" كرد على "عملية طوفان الأقصى" وأرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات وطائرات هجومية لتدعيم قوة إسرائيل في المنطقة. وبالمثل، أثار إرسال الصين لستة سفن حربية تكهنات وتساؤلات متباينة! فما هي دوافع الصين لهذا النشر؟ وهل تستعد لحرب في الشرق الأوسط؟ وكيف ستؤثر هذه الخطوة على مصالحها وعلاقاتها في المنطقة؟

فالصين هي أكبر شريك تجاري للشرق الأوسط، وتستورد منه نحو نصف احتياجاتها من النفط الذي يدخل في قطاعات محورية في الداخل الصيني. كما أنها تضم أكثر من 100 ألف مواطن صيني يعملون بلا كلل في المشاريع والاستثمارات الصينية في المنطقة. لذلك، فإن الصين تولي اهتمامًا كبيرًا بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتحاول حماية مصالحها ومواطنيها من أي تهديد أو خطر.

ولكن هل هذا كافٍ لإرسال الصين سفن حربية إلى المنطقة؟ أم أن هناك دوافع أخرى تقف وراء مثل هذه الخطوة؟ وما هي رسائل الصين التي تريد إيصالها للعالم من خلال هذا التحرك في ظل المشهد الأمني المتوتر في الشرق الأوسط، تأثير هذه الخطوة على مستقبل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وعلى موقف الصين من القضية الفلسطينية.

الصين والشرق الأوسط: تاريخ من العلاقات القديمة

إنَّ العلاقات بين الصين والشرق الأوسط تعود إلى العصور القديمة، حيث كانت الحضارة الصينية تربط طريق الحرير البري بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. في هذه الفترة، تبادلت الصين والشرق الأوسط السلع والثقافات والأفكار، وأقامت علاقات دبلوماسية وتجارية مع بعضها البعض.

في العصور الحديثة، شهدت العلاقات بين الصين والشرق الأوسط تغيرات وتطورات كثيرة، تأثرت بالظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية لكل منهما. في عام 1949، مع نشأة جمهورية الصين الشعبية أعقاب التوترات والحروب الأهلية الداخلية، دعمت الصين الماوية من حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط ضد الاستعمار. في عام 1956، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع مصر، وكانت مصر هي دولة عربية تفعل ذلك. في عام 1964، اعترفت الصين بمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعمت قضية فلسطين.

وفي عام 1971، انضمت الصين إلى منظمة الأمم المتحدة، وبدأت في توسيع نطاق علاقاتها مع دول الشرق الأوسط. في عام 1978، ومع تولي الرئيس الصيني "دينج شياو بينج" الحكم شرعت الصين في تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، وزادت اهتمامها بالتعاون الاقتصادي مع دول المنطقة. في عام 1990، شاركت الصين في مؤتمر مدريد للسلام، ودعت إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

الصين في مواجهة التحديات والتهديدات في الشرق الأوسط

إن الصين تواجه جملة من التحديات والتهديدات في الشرق الأوسط، تتعلق بالأمن والاستقرار والمصالح والنفوذ في المنطقة. من بين هذه التحديات والتهديدات، يمكن ذكر الآتي:

١- التحدي الأميركي:

إن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة في النظام الدولي بشكل عام، الشرق الأوسط بشكل خاص، بالرغم من أنها قوة مهيمنة متراجعة نسبيًا، إلا أنها تمارس سياسة التحالف مع دول مثل إسرائيل والسعودية والإمارات، وتدعم المعارضة في دول مثل إيران وسوريا. كما تحاول الولايات المتحدة منع توسع الصين في المنطقة، وتفرض عقوبات على بعض شركائها التجاريين. إن هذا التحدي يستدعي من الصين أن تتبع سياسة متزنة ومرونة، وأن تبحث عن قنوات حوار وتعاون مع الولايات المتحدة.

٢- التهديد الإرهابي:

إن الشرق الأوسط يشهد ظاهرة الإرهاب والتطرف، التي تستهدف المصالح والمواطنين الصينيين في بعض الأحيان، وبشكل خاص فإن تفاقم ظاهرتي الإرهاب والتطرف يعزز من تهديد مشروع الصين "الحزام والطريق" الذي أُعلن في ٢٠١٣.  إن هذا التهديد يدفع الصين إلى تعزيز التعاون الأمني مع دول المنطقة، والمشاركة في عمليات حفظ السلام.

٣- التحدي الإيراني:

تمثل إيران قوة إقليمية ذات نفوذ متنامي الشرق الأوسط، وتمتلك علاقات تاريخية واستراتيجية مع الصين. فالصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني، وأكبر مستثمر في قطاعاتها المختلفة. كما تدعم الصين موقف إيران في قضية برنامجها النووي، وتؤكد على ضرورة حل سلمي لهذه المسألة. إلا أن هذا التحدي يخلق صعوبات للصين في التوفيق بين علاقتها مع إيران من جهة، وبقية دول المنطقة من جهة أخرى لاسيما مع دورها المحوري في الاتفاق السعودي الإيراني في ١٠ مارس ٢٠٢٣.

أسباب وآثار إرسال الصين سفن حربية إلى الشرق الأوسط

إن إرسال الصين سفن حربية إلى الشرق الأوسط يعكس استراتيجية الصين في المنطقة، ويحمل رسائل مهمة للعالم. من بين أسباب هذا الإرسال، يمكن ذكر الآتي:

١- حماية المصالح والمواطنين الصينيين:

من البديهي أن الصين تولي اهتمامًا كبيرًا بحماية مصالحها ومواطنيها في المنطقة، خصوصًا في ظل التوترات والأزمات التي تشهدها. فالصين هي أكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط، وتضم أكثر من 100 ألف مواطن صيني يعملون في المشاريع والاستثمارات الصينية في المنطقة. لذلك، ترسل الصين سفن حربية لحماية الملاحة في خليج عدن، وإجلاء المواطنين الصينيين إذا اقتضى الأمر.

٢- تعزيز الدور والنفوذ الصيني:

تسعى الصين إلى تعزيز دورها ونفوذها في المنطقة، وتظهر قدرتها وإرادتها في التدخل في شؤون المنطقة إذا اضطُرت، وذلك بالرغم من السياسة الخارجية الصينية تتمحور على عدة ركائز من بينها عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.

فالصين تشارك في عملية حفظ السلام في لبنان، وتدعو إلى حل سلمي للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. كما تشارك في مناورة عسكرية مشتركة مع عمان، وتبرز قدراتها العسكرية.

٣- رد على التحديات والتهديدات الأمريكية الغربية:

تواجه تحديات وتهديدات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، التي تحاول منع توسعها في المنطقة، وكذا تعمل على تضييق الخناق عليها في شرق آسيا لاسيما فيما يتعلق بالدعم الكبير لتايوان. إلى ذلك، تفرض أمريكا عقوبات على بعض شركائها التجاريين. لذلك، ترسل الصين سفن حربية كخطوة دفاعية، وتظهر استعدادها للتصدي لأي عدوان من أجل حماية مصالحها ورعاياها. فيمثل هذا الإرسال تأثير عميق على مشهد المنطقة بشكل كبير، فهو يغير موازين القوى والتحالفات في المنطقة، ويلقى ردود فعل مختلفة من قبل دول المنطقة. كما يؤثر على مستقبل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فإما أن يكون دافعًا لإحلال السلام، أو عاملًا لتصعيد الصراع.

إرسال سفن حربية صينية إلى منطقة الشرق الأوسط: ما تأثيره على عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟

إن إرسال سفن حربية صينية إلى منطقة الشرق الأوسط قد يمثل تحولًا في الموقف الصيني من القضية الفلسطينية، ويمكن أن يؤثر على عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بشكل إيجابي أو سلبي وفقًا للمسار الحالي المرتهن بمحاولات إيجاد حل لوقف إطلاق النار في غزة.

١- تأثير إيجابي:

يمكن أن يكون إرسال سفن حربية صينية إلى الشرق الأوسط دافعًا لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بشرط أن تتبع الصين سياسة محايدة ومتوازنة، وأن تستخدم نفوذها لدى الأطراف المتصارعة، الضغط على إسرائيل والدول الغربية لوقف إطلاق النار، ثم التفاوض والحوار. كما يمكن أن تقدم الصين مبادرات ومقترحات لحل القضايا العالقة، مثل حدود الدولة الفلسطينية ووضع القدس وحق العودة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشارك الصين في جهود إعادة إعمار غزة وتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين. ونتيجة لذلك، وفي حال نجاح الصين في تدفع تلك الجهود، وفرض واقع سياسي جديد، ستضمن منطقة الشرق الأوسط لاعبًا وحليفًا موثوقّا لاسيما بعد نجاح الوساطة الصينية في إعادة العلاقات ودفع مسار العلاقات الإيرانية السعودية.

٢- تأثير سلبي:

يمكن أن يكون إرسال سفن حربية صينية إلى المنطقة عاملًا لتصعيد الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، إذا اعتبرت كلًا من أمريكا وإسرائيل هذه الخطوة تهديدًا لأمنها ومصالحها في المنطقة. كما قد تشعر دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات بالقلق من تدخل الصين في شؤون المنطقة، وتخشى من فقدان دورها في عملية السلام لاسيما في حال اندلاع توتر بين القوات الأمريكية والصينية في خضم التطورات الراهنة والمشتعلة في الشرق الأوسط، بجانب التطورات القائمة في الأصل بينهما حول تايوان، الحرب التجارية، التنافس الاقتصادي والتكنولوجي.

Getting Info...

إرسال تعليق

Cookie Consent
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.
Oops!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت والبدء في التصفح مرة أخرى.
AdBlock Detected!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم المكون الإضافي adblocking في متصفحك.
تُستخدم الإيرادات التي نحققها من الإعلانات لإدارة هذا الموقع ، ونطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء في المكون الإضافي لحظر الإعلانات.
A+
A-